تاريخ البدء : 31-03-2016
تاريخ الانتهاء : 10-05-2016
17:00
أرشيف المغرب، الرباط

 
إن الحديث عن عبد الصمد الكنفاوي هو استحضار لشخصية متنورة متعددة المشارب الثقافية والفنية، فهو المسرحي والإداري والنقابي والباحث والشاعر. ففضلا عن نبوغه في مجال المسرح نجده قد ترجم الأفلام، ونظم المهرجانات، وجمع الأمثال الشعبية، وأعد الكلمات المتقاطعة، وكتب القصائد الشعرية.
لقد كان الرجل مناضلا ومثقفا ومبدعا وفنانا فذا. فحقيقة الكنفاوي لم تكمن فقط في ذلك الالتزام السياسي والثقافي والاجتماعي والإنساني الصادق، ولكنها تجسدت أيضا في تصالحه مع الذات ومع الآخر، فقد كان يعتبر دائما بأن الهدف من الحياة على هذه البسيطة لا يعدو أن يكون إلا اكتشافا لحقيقة الذات والتصالح معها، كيف ما كان انتماء الإنسان شريطة أن يبقى منسجما مع نفسه وهويته. ذلك ما يشهد له به ديديي بيرو Didier Béraud عندما يقول "لم تبهرني معارف هذا الفتى وحسب ولكنني انبهرت أيضا بتحليله للأوضاع التي تجري في بلاده وفي العالم. أعشق الاستماع إليه والتعلم منه حيث انفتحت من خلاله على العالم] ... [لقد كان صديقا حميما ومعلما كذلك] ...[ لقد كان قطب الشباب المغربي..."


يعتبر عبد الصمد الكنفاوي أحد رجالات المسرح المغربي الذين كان لهم دور مهم في إرساء القواعد الأساسية لهذا الفن على المستوى الوطني، وممن ساهموا في تكوين أجيال سجلت بصماتها بعمق في مجالات الكتابة والأداء والإخراج المسرحي بالمغرب. ويكفي أن يقترن اسمه بأول فرقة محترفة على الخشبة هي فرقة المسرح المغربي.


لقد أغرم الكنفاوي بالمسرح وعشقه، حيث جاب ربوع المغرب بأسواقه ومواسمه، باحثا ومتأملا في مختلف منابع الثقافة الشعبية لاستلهام معالم وهوية المسرح المغربي. لذلك جاءت كتاباته دقيقة وإيحائية كما جاءت حواراته محملة بالمعاني والدلالات تنم عن ثقافة الرجل واتساع أفق تفكيره. كما حافظ في الوقت نفسه على القالب المغربي بحسن التصرف على مستوى المضامين التي كان يتناولها بشكل عميق ومدقق. وقد تبلور كل ذلك في أعماله التي جاءت صادقة تعكس هموم المجتمع المغربي وما كان يعانيه المغربي البسيط من ظلم وفساد واستغلال، مثل ما تطلعنا عليه مسرحياته "بوكتف" و"السي التاقي" و"بربروس" و"سلطان باليما" و"سلطان الطلبة" و"حتى للموت"....


إضافة إلى مساره المهني المتميز وتحمله للعديد من المسؤوليات الإدارية داخل المغرب وخارجه، عايش الكنفاوي تطورات العمل النقابي في المغرب، وساهم في الفعل النضالي دفاعا عن حقوق الطبقة العاملة، حيث التحق بالاتحاد المغربي للشغل ومثله في الفيتنام والصين وكوبا والاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا...وكذلك لذى اتحاد النقابات العالمي والكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة ورابطة العالم والاتحاد العالمي للشباب الديموقراطي، جاعلا من محاربة الفساد والظلم الاجتماعي قضيته الأولى.


إن تنظيم مؤسسة أرشيف المغرب لمعرض يحتفي بعبد الصمد الكنفاوي، ينم عن رغبة كبيرة في إعادة اكتشاف أحد رجالات المسرح في الإبداع والاقتباس والترجمة، وكنقابي مناضل كرس الكثير من مجهوده دفاعا عن الطبقات الاجتماعية المهمشة، ثم كإنسان مثقف عايش هموم المجتمع وتطلعاته. وهي مبادرة تروم كذلك رفع اسم الكنفاوي وتخليده كرافد من روافد الذاكرة الجماعية.

 

مشاركة :